الحمدُ لله الذي لم يتَّخذْ ولدًا، ولم يكن له شريكٌ في المُلْك .. المستحقِّ لأنواع العبادة دون غيره .. أحمده وأستعينه وأستغفره .. وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ هو وحْده لا شريكَ له .. جبَّارُ السموات والأرض .. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمدًا رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه .. وعلى كلِّ مَن سار على نهْجه .. واستنَّ بسُنَّته .. واقتفى أثرَه إلى يوم الدِّين.
بداية .. دعوني أتقدم بالتهنئة الحارة .. وأقول لكل محبي البلوغرانا ألف تريليون مبروك الفوز بهذه الليغا اللذيذة الطعم .. والتي جاءت بعد معاناة طويلة .. وبعد الكثير من الآهات وصرخات الألم .. ولكنها جاءت بحمد الله .. وأصبحت الليغا رقم 22 بتاريخ البرسا .. ويحق لنا أن نحتفل بها وأن نفرح لها لأنها جاءت تعويضا للمجهود الخارق الذي تم بذله في سبيلها .. عودة لموضوع مقالي .. قضية خط الدفاع هي قضية من أكثر القضايا التي تشغل بال كل المهتمين بشئون برشلونة .. منذ النصف الثاني من آخر موسم للبيب ومستوى خط الدفاع البرشلوني في تراجع مخيف جدا .. وهو موضوع يؤرق مضاجعنا .. وسؤال يدور في مخيلتنا كلما تلقينا أهدافا سهلة من مباراة إلى أخرى .. وما أكثر هذه الأهداف وما أغزرها في هذا الموسم بالذات .. سأحاول في مقالي هذا أن أجد إجابات شافية ووافية لهذا السؤال الكبير .. وسأفكر معكم بصوت عالي لعلي أجد الأجابة وأقنع نفسي .. أو يستطيع أحد القراء أن يقنعني بجواب يشفي غليلي وغليلكم من هذا الداء المزمن الذي أصاب البرسا هذا الموسم .. بداية وقبل أن ندخل في صلب المشكلة .. أرى أن نقوم بتحليل مستوى لاعبي الدفاع واحدا تلو الآخر .. حتى يتسنى لنا تحديد مواضع الألم والألتهاب المزمن والذي يسبب لنا هذا الصداع القاتل .. هل فعلا تراجع مستوى لاعبي الدفاع ؟ .. أم أن المنظومة التي يلعب من خلالها اللاعبون إعتراها الكثير من الخلل ؟ .. دعونا نبدأ بتحليل مستوى اللاعبين ومنها نصل إلى تحليل المنظومة نفسها علنا نجد مبتغانا.
لاعبو الدفاع .. سأبدأ بكبيرهم اللاعب بيول .. كلنا يعلم أن بيول هو الكابتن .. وهو روح الفريق .. وكلمة السر .. دوره قيادي أكثر ما هو فني في الوقت الحالي .. وجوده يعطي دفعة معنوية كبيرة للفريق .. إلا أنه ورغم كل ذلك مستواه الآن وبعد تقدمه في السن أصبح لا يؤهله لأن يكون أساسيا طيلة الموسم مع كثرة المباريات واللعب على أكثر من جبهة .. بيكيه .. أكثر لاعبي الفريق عرضة للإنتقاد .. عانى هذا الموسم هبوط مستوى حاد جدا .. ولكن في المقابل أجد له بعض الأعذار .. فلقد تم التركيز عليه بشكل مبالغ فيه .. وعانى كثيرا من غياب بيول الطويل عن الملاعب فكان التركيز كله على أخطائه .. وكنا نجد العذر لماسكيرانو أو سونغ عندما يرتكبوا أخطاء لأنهم لا يلعبون في مراكزهم الأصلية .. بينما خطأ بيكيه يضخم جدا .. هذا بالأضافة إلى أنه لعب مع كل من بيول .. أبيدال .. ماسكيرانو .. سونغ .. بارترا .. بوسكيس .. أدريانو .. كقلوب دفاع معه .. فمن أين سيأتي الأنسجام المطلوب لخط الدفاع .. سؤال مهم يتحمله المدرب تيتو .. اللاعب ألفيس .. لا خلاف على تراجع مستواه دفاعيا وهجوميا .. كثيرا ما يترك خلفه فراغات كبيرة يأتي منها معظم الأهداف .. يعيبه البطيء في العودة للخلف و الأرتداد من الهجوم للدفاع .. تمريراته العرضية أغلبها أصبح سيئا .. وترجع مثل هذه النظرة لمستواه إلى مقارنة الجميع مستواه هذا الموسم مع مستواه الخرافي في بداياته .. جوردي ألبا .. قدم هذا اللاعب مستوى رائع في يورو 2012 .. وتوج منتخب بلاده بالبطولة .. وكلنا فرحنا بقدومه للبرسا .. خصوصا بعد الأداء المتمبز جدا في بداية الموسم .. ولكنه تراجع بشكل مخيف في النصف الثاني .. وأجد له العذر أيضا .. للإرهاق الشديد الذي أصابه من جراء لعبه لليورو والألعاب الأولمبية والمباريات الكثيرة التي خاضها مع البرسا .. ولكنه في عمومه لاعب أكثر من جيد .. أدريانو .. لاعب زجاجي كثير الأصابات .. محير في مستواه .. تارة يقدم أداء خرافي .. وتارة في الحضيض .. مونتويا .. لاعب شاب لديه مؤهلات جيدة .. الجميع يتفق على أن مستواه لا يؤهله ليكون ظهير أساسي في الفريق .. ولا يزال يحتاج للكثير من الجهد ليضمن مكانا أساسيا في الفريق .. مهمة تيتو أن يعطيه الكثير من الفرص في المباريات القليلة الأهمية حتى يكتسب المزيد من الخبرة .. ماسكيرانو .. لاعب مقاتل يقوم بدوره على أكمل وجه .. تأقلم مع مركزه الجديد وقدم إضافة جديدة في الدفاع .. يعيبه سوء التمركز في بعض المباريات وقصر قامته في الكرات العالية .. بارترا .. لاعب شاب وواعد .. عانى كثيرا من عدم ثقة المدري به .. كان من الممكن أن نرى منه مستوى أفضل بكثير لو تم تجهيزه بشكل جيد .. ظلمه المدرب كثيا عندما ألقى به قي مباراة البايرن على الرغم من أنه أدى جيدا قياسا لطول جلوسه على الدكة.
من خلال هذا التحليل يبدو لي أن السبب الرئيسي في تدهور مستوى الدفاع لا يعود فقط لتراجع مستوى اللاعبين .. بل معظم المشكلة تكمن في منظومة لعب الفريق .. وهذه حدوتة أخرى يجب أن نخوض غمارها لنعطي للموضوع حقه بالكامل .. ما هو تعريف المنظومة ؟ .. هي إطار فكري يتعامل مع أي قضية من خلال رؤية شاملة ومتكاملة تساعده على إكتشاف جوانب القوة وتنميتها .. وزيادة القدرة على أداء المهمة بكفاءة عالية .. كذلك تشخيص جوانب الضعف وتفعيل برامج حلولها أولا بأول مع كل خطوة من خطوات التقدم للأمام .. هذا بإختصار تعريف بسيط للمنظومة .. وبالعودة لمنظومة البرسا .. نجدها تتكون من عدة أجزاء يجب أن تكون متكاملة في عملها .. أولها حراسة المرمى .. يجب أن يلعب جيدا بكلتا قدميه .. ليكون مدافعا إضافيا لخلق زيادة عددية لتدوير الكرة في الملعب ..وبالتالي المحافظة على الكرة لأطول فترة ممكنة .. ثانيها .. الدفاع .. يتكون من قلبي دفاع يجيدان التغطية على الظهيرين في حالة صعودهما .. ظهيران بأدوار مختلفة .. أحدهما دفاعي أكثر .. والآخر هجومي أكثر .. يلعب كمهاجم رابع ليزيد العدد في دفاعات الخصم وبالتالي فتح المساحات للمدافعين .. ثالثهما وسط الميدان .. ثلاثي مكون من إرتكاز عصري يكسر هجمات الخصم .. وله القدرة على صنع اللعب بتمريرات دقيقة .. إخراج الكرة من دون تشتيتها .. اللاعب الثاني في الوسط يكون صانع ألعب برؤية واسعة للملعب .. يتحكم في أيقاع اللعب .. ويكون إرتكاز ثاني في الحالة الدفاعية .. آخرهم لاعب وسط جوكر .. يندفع من الوسط لأختراق دفاعات الخصوم .. وبإمكانية لعب دور الجناح في بعض الأوقات .. رابعهم الهجوم .. جناحان سريعان يرتدان دفاعيا لمساندة الظهيرين .. ولاعب حر كرأس حربة وهمي يتحرك بحرية وسط دفاعات الخصوم .. هذه المنظومة التي صنعها كرويف .. وطورها بيب غوارديولا بشكل مذهل .. بحيث تتداخل فيها كل أجزاء المنظومة بشكل متناغم للسيطرة المطلقة على الكرة وإستحواذها تمهيدا لأستنزاف قوة الخصم والأجهاز عليه ..وإعتمادا على فكرة أنه ما دامت الكرة بحوزتك فأنت من تصنع اللعب وتتحكم في أيقاعه .. وبالتالي يكفيك أستغلال الفرص المتاحة لمهاجميك لكي تفوز .. وهذا هو الهدف المنشود من هذه المنظومة .. التي لاقت نجاحا لم يتوقعه أحد على خريطة الكرة العالمية لأربع سنوات متواصلة.
السؤال الآن .. ما الذي حدث ؟؟؟؟ .. لماذا فشلت الآن ؟؟ هل الفشل بسبب سوء الدفاع أم المنظومة نفسها ؟؟ .. برأيي الجميع يتحمل المسئولية .. حارس المرمى كان مهزوزا طيلة الموسم .. وأعلن عن عدم رغبته في التجديد في وقت غير مناسب .. خط الدفاع فقد توازنه الذي كان عليه في عهد البيب .. إعتمد على ظهرين هجوميين بشكل مفرط .. يوجد نواقص في الزاد البشري لخط الدفاع لم يلفت نظر الأدارة خلال الميركاتو .. تراجع مستوى قلبي الدفاع بفعل التغييرات الكثيرة التي أملتها الأصابات .. ففقدنا التناغم والأنسجام الدفاعي .. كنا نلعب بثلاثي دفاع ثابت بتقدم ظهير واحد نحو الهجوم .. وكانت التغطية عليه سهلة .. أصبح لدينا ظهيرين هجوميين يندفعان للأمام ليتركا فراغات كبيرة يصعب على قلبي الدقاع تغطيتها .. خط الوسط يتحمل جزء كبير من المسئولية .. بعدما كان مصدر قوتنا .. أصبح نقطة ضعفنا .. لاعب الأرتكاز لم يعد يقوم بدوره في تغطية قلبي الدقاع عندما يتركان مكانهما للتغطية على الظهيرين .. من الناحية الهجومية أصبح بطيء في نقل الكرة من الدفاع للهجوم .. ليكتفي بتسليم الكرة لصانع اللعب الذي بدوره أصبحت تحركاته مكشوفة بفعل الرقابة اللصيقة عليه .. وبالتالي فقدنا همزة الوصل بين الدفاع والهجوم .. هجومنا أصبح يعتمد على لاعب واحد .. إذا تألق قادنا للنصر .. وإن إختفى وجدنا مشاكل كثيرة في إختراق الدفاع .. إفتقدنا لجناحان يأخذان المبادرة بالمراوغة والأختراق .. وكل ما يفعلاه أستلام الكرة وإعادتها للاعبي خط الوسط .. والمشكلة الكبرى تخليهم عن ميزة الضغط العالي على دفاعات الخصوم وإستعادة الكرة في ملعب الخصم .. وبالتالي زاد الحمل على خط الوسط الذي أصلا فيه إرتكاز وحيد .. وبالتالي منطقيا سيزيد الحمل على خط الدفاع لتنكشف عيوبه وأخطاؤه .. لذا أنا أرى أن مشكلتنا ليست دفاعية .. بل هي وجود خلل رهيب في المنظومة التي كانت تعمل بكفاءة عالية من قبل .. فقد فقدت ذلك التناغم والتكامل الرائع بين كل أجزاء تلك المنظومة .. وكانت كفرقة موسيقية تعزف أجمل الألحان بالإعتماد على آلات مختلفة تعمل بشكل هارموني يخرج معزوفات راقية .. ما يحدث الآن أن كل فرد من الفريق يعرف بمفرده .. وبالتالي أصبح النشاز سمة رئيسية لطريقة لعبنا .. ما نأمله من الأدارة الفنية إعادة إصلاح هذه المنظومة .. وهو أمر ليس بالصعب .. ولكنه يحتاج لعقلية فذة وجهد صارخ .. وهو ما كان يميز ذلك الفيلسوف الرائع " بيب غوارديولا ".
في الختام أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم .. وتزامنا مع إحتفالاتنا بالحصول على الليغا .. أدعوكم جميعا .. لأن .. تضحكوا .. وتبتسموا .. وتحتفلوا .. أنتم برشلونيون.
